[ رد أو تعليق | الموضوع التالي | الموضوع السابق | أعلى ]

الوهابية الخوارج

الكاتب: أبو عاصم الراشدي
Date: 19 Feb 1999

الموضوع

الوهابية الخوارج

أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هؤلاء الخوارج في أحاديث كثيرة ، فكانت تلك الأحاديث من أعلام نبوّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها من الإخبار بالغيب ، وتلك الأحاديث كلها صحيحة ، بعضها في صحيحي البخاري ومسلم وبعضها في غيرهما . فمنها حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَلَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ *

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ قَالَ سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ * والفوق بضم الفاء : موضع الوتر . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل ، يقرؤون القرآن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم سيمرقون من الدين مروق السهم من الرمية لا يرجعون حتى يعود السهم إلى فوقه ، هم شرّ الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ، من قتلهم كان أولى بالله منهم سيماهم التحليق ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون قول خير البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أناس من أمتي سيماهم التحليق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هم شرّ الخلق والخليقة ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يخرج ناس من المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه سيماهم التحليق ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من هاهنا جاءت الفتن وأشار نحو المشرق ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( غلظ القلوب والجفاء بالمشرق والإيمان في أهل الحجاز ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا ، قالوا يا رسول الله : وفي نجدنا ، قال : اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا ، وقال في الثالثة : هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان ) . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يخرج ناس من المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما قطع قرن نشأ قرن حتى يكون آخرهم مع المسيح الدجال ) . وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( سيماهم التحليق ) تنصيص على هؤلاء القوم الخارجين من المشرق التابعين لابن عبد الوهاب فيما ابتدعه ، لأنهم كانوا يأمرون من اتبعهم أن يحلق رأسه ولا يتركونه يفارق مجلسهم إذا تبعهم حتى يحلقوا رأسه ولم يقع مثل ذلك قط من أحد من الفِرق الضالة التي مضت قبلهم ، فالحديث صريح فيهم . وكان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول : لا يحتاج أن يؤلف أحد تأليفاً للرّد على ابن عبد الوهاب بل يكفي في الرد عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( سيماهم التحليق ) فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم . وكان ابن عبد الوهاب يأمر أيضاً بحلق رؤوس النساء اللاتي يتبعنه فأقامت عليه الحجة مرة امرأة دخلت في دينه كرهاً وجددت إسلامها على زعمه ، فأمر بحلق رأسها ، فقالت له : أنت تأمر الرجال بحلق رؤوسهم ، فلو أمرت بحلق لحاهم لساغ لك أن تأمر بحلق رؤوس النساء ، لأن شعر الرأس للمرأة بمنزلة اللحية للرجال ، فبهت الذي كفر ولم يجد لها جواباً ، لكنه إنما فعل ذلك ليصدق عليه وعلى من تبعه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( سيماهم التحليق ) فإن المتبادر منه حلق الرأس ، فقد صدق صلى الله عليه وآله وسلم فيما قال . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم حين أشار إلى المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان ، جاء في رواية ( قرنا الشيطان ) بصيغة التثنية . قال بعض العلماء : المراد من قرني الشيطان مسيلمة الكذاب وابن عبد الوهاب . وجاء في بعض الروايات ( وبها ) يعني نجداً ( الداء العضال ) . قال بعض الشراح وهو الهلاك . وفي بعض التواريخ بعد ذكر قتال بني حنيفة قال : ( ويخرج في آخر الزمان في بلد مسيلمة رجل يغيّر دين الإسلام ) وجاء في بعض الأحاديث التي فيها ذكر الفتن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( منها فتنة عظيمة تكون في أمتي لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته تصل إلى جميع العرب قتلاها في النار واللسان فيها أشد من وقع السيف ) وفي رواية ( ستكون فتنة صماء بكماء عمياء ) : يعني تعمى بصائر الناس فيها فلا يرون مخرجاً ويصمون عن استماع الحق ( من استشرف لها استشرفت له ) وفي رواية ( سيظهر من نجد شيطان تتزلزل جزيرة العرب من فتنته ) . وذكر العلامة السيد علوي بن أحمد بن حسن بن القطب السيد عبدالله الحداد باعلوي في كتابه الذي ألفه في الرد على ابن عبد الوهاب المسمى " جلاء الظلام في الرد على النجدي الذي أضل العوام " وهو كتاب جليل ذكر فيه جملة من الأحاديث ، منها حديث مروي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه : ( سيخرج في ثاني عشر قرناً ، في وادي بني حنيفة رجل كهيئة الثور ، لا يزال يلعق براطمه يكثر في زمانه الهرج والمرج ، يستحلون أموال المسلمين ويتخذونها بينهم متجراً ، ويستحلون دماء المسلمين ويتخذونها بينهم مفخراً ، وهي فتنة يعتز فيها الأرذلون والسفل ، تتجارى بينهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ) قال ولهذا الحديث شواهد تقوّي معناه وإن لم يعرف من خرّجه . ثم قال السيد المذكور في الكتاب الذي مرّ ذكره : وأصرح من ذلك أن هذا المغرور محمد بن عبد الوهاب من تميم ، فيحتمل أنه من عقِب ذي الخويصرة التميمي الذي جاء فيه حديث البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن من ضئضيء هذا ( أو في عقب هذا ) قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " فكان هذا الخارجي يقتل أهل الإسلام ويدع أهل الأوثان . ولمّا قتل عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه الخوارج قال رجل : الحمد لله الذي أبادهم وأراحنا منهم ، فقال علي رضي الله عنه : كلا والذي نفسي بيده إن منهم لمن هو في أصلاب الرجال لم تحمله النساء وليكونن آخرهم مع المسيح الدجال . وجاء في حديثٍ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر فيه بني حنيفة قوم مسيلمة الكذاب وقال فيه : ( إن واديهم لا يزال وادي فتن إلى آخر الدهر ، ولا يزال في فتنة من كذابهم إلى يوم القيامة ) وفي رواية ( ويل لليمامة ويل لا فراق له ) . وفي حديث ذكره في مشكاة المصابيح ( سيكون في آخر الزمان قوم يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم ، لا يضلونكم ولا يفتنونكم ) . وأنزل الله في بني تميم ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) وأنزل الله فيهم ( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) . قال السيد علوي الحداد المذكور آنفاً : إن الذي ورد في بني حنيفة وفي ذم بني تميم ووائل شيء كثير ، ويكفيك أن أغلب الخوارج وأكثرهم منهم ، وأن الطاغية ابن عبد الوهاب منهم ، وأن رئيس الفرقة الباغية عبد العزيز بن محمد بن سعود بن وائل منهم . وجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( كنت في مبدأ الرسالة أعرض نفسي على القبائل في كل موسم ، ولم يجبني أحد جواباً أقبح ولا أخبث من رد بني حنيفة ) . قال السيد علوي الحداد : لما وصلت الطائف لزيارة حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما اجتمعت بالعلامة الشيخ طاهر سنبل الحنفي ابن العلامة الشيخ محمد سنبل الشافعي فأخبرني أنه ألف كتاباً في الرد على هذه الطائفة سمّاه ( الانتصار للأولياء والأبرار ) وقال لي لعل الله ينفع به من لم تدخل بدعة النجدي قلبه ، وأما من دخلت في قلبه فلا يرجى فلاحه ، لحديث البخاري ( يمرقون من الدين ، ثم لا يعودون فيه ) . وأما ما نُقل عن بعض العلماء أنه استصوب من فعل النجدي جمع البدو على الصلاة ، وترك الفواحش الظاهرة وقطع الطريق والدعوة إلى التوحيد ، فهو غلط حيث حسّن للناس فعله ، ولم يطلّع على ما ذكرناه من منكراته وتكفيره الأمة من ستمائة سنة ، وحرق الكتب الكثيرة ، وقتله كثيراً من العلماء وخواص الناس وعوامهم ، واستباحة دمائهم وأموالهم ، وإظهار التجسيم للباري تبارك وتعالى ، وعقده الدروس لذلك وتنقيصه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الأنبياء والمرسلين والأولياء ونبش قبورهم ، وأمر في الإحساء أن تجعل بعض قبور الأولياء محلاًّ لقضاء الحاجة ، ومنع الناس من قراءة دلائل الخيرات ومن الرواتب والأذكار ، ومن قراءة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنائر بعد الأذان وقتل من فعل ذلك ، وكان يعرض لبعض الغوغاء الطعام بدعواه النبوّة ، ويُفهمهم ذلك من فحوى كلامه ، ومنع الدعاء بعد الصلاة ، وكان يقسِّم الزكاة على هواه ، وكان يعتقد أن الإسلام منحصر فيه وفي من تبعه ، وأن الخلق كلهم مشركون ، وكان يصرِّح في مجالسه وخطبه بتكفير المتوسل بالأنبياء والملائكة والأولياء ويزعم أن من قال لأحد : مولانا أو سيدنا فهو كافر ، ولا يلتفت إلى قول الله تعالى في سيدنا يحيى عليه السلام : ( وسيِّداً ) ولا إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار : ( قوموا لسيدكم ) يعني سعد بن معاذ رضي الله عنه ، ويمنع من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويجعله كغيره من الأموات وينكر علم النحو واللغة والفقه والتدريس بهذه العلوم ، ويقول إن ذلك بدعة . ثم قال السيد علوي الحداد في كتابه المتقدم ذكره : والحاصل أن المحقق عندنا من أقوله وأفعاله ما يوجب خروجه عن القواعد الإسلامية ، لاستحلاله أموالاً مجمعا على تحريمها معلومة من الدين بالضرورة بلا تأويل سائغ مع تنقيصه الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين ، وتنقيصهم تعمدا كفر بإجماع الأئمة الأربعة اهـ وتقدم أنه عاش من العمر اثنتين وتسعين سنة ، لأن ولادته كانت سنة 1111 هـ ، وهلاكه سنة 1206هـ ، وأرخ بعضهم وفاته بقوله : بدا هلاك الخبيث 1206 وخلف أولاداً قاموا بالدعوة بعده عبدالله وحسن وحسين وعلي وكانوا يقال لهم أولاد الشيخ .

---------------------------------------------- المرجع : نقلاً من كتاب " الدرر السنية في الرد على الوهابية " للعلامة السيد أحمد زيني دحلان مفتي مكة المكرمة زمن الدولة العثمانية ، ص169/184 ، ط2 .