تقديم

إنتقل إلى

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم وتابعي تابعيهم إلى يوم الدين.
وبعــــــــــد:
يقول الله تعالى في محكم آياته {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُوْنُوا شُهَدَاءَ عَلَىْ النَّاسِ وَيَكُوْنَ الرَّسُوْلُ عَلَيْكُمْ شَهِيْداً} وقال صلوات الله وسلامه عليه: "العلماء ورثة الأنبياء" والعالم العلامة الزاهد المجاهد الشيخ المحقق والحبر المدقق المجتهد المطلق الولي الموفق محي السنن وماحي البدع مجدد القرن الرابع عشر من الهجرة الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلوم السالمي رضي الله عنه ولد ببلدة الحوقين سنة 1286 هجرية في داخلية عمان بالرستاق. تعلم القرآن على يد والده وشاءت قدرة الله تعالى وقضاءه بأن كف بصره وكان عمره آنذاك ثمانية عشر عاما. حفظ القرآن الكريم وسافر إلى الرستاق زاهرة العلم والعلماء ورجال الدين الأماثل وعلى رأسهم الشيخ راشد بن سيف اللمكي وماجد بن خميس العبري وعبدالله بن محمد الهاشمي حتى بلغ من الذكاء درجة كبيرة لا يسمع شيء الا حفظه ووعاه وبعد إثنين وعشرين عاما هاجر من الرستاق إلى الشرقية لما يسمع بها هنالك من الصيت الشائع والكرم الذائع من الشيخ المجاهد الغيور الصبار الشكور الولي صالح بن علي الحارثي وعما يحاوله هذا الأمير الشهم من إعادة الإمامة في القطر العماني فلبث في القابل بلد الشيخ صالح معاضدا له يلتقط منه الفوائد ويستخرج منه الفرائد وقد صار الشيخ صالح أكبر شيوخه الذين أخذ عنهم العلم وقد أوتي الحظ والجاه والشهرة في العلم. فكان يُدَرِّس للطلاب في مختلف فنون العلم من التفسير والحديث وأصول الفقه وأصول الدين والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق ، فدام على هذا الحال الى أن توفي الشيخ صالح بعد ست سنوات ثم عضد بعده الأمير عيسى بن صالح فكان الشيخ السالمي رجل دين حيث كان شديد الغيرة على الإسلام دائم اليقضة على تطورات السياسة في العالم الإسلامي وخاصة عمان حيث يرجع اليه الفضل الكبير في إعادة الإمامة إلى عمان وهي لم تعرف سوى الإمامة نظاما لحكمها إلا في فترات نادرة أدرك آخرها المؤلف رحمه الله ودأب في آواخر حياته في السعي مع نفر من علماء عمان وقادتها لإعادة الإمامة ومبايعة سالم بن راشد الخروصي الذي كان يعول على المؤلف في إدارة شؤون الإمامة وروي أنه كان يقول: "أتمنى ثلاثة أشياء: الإمام العادل وإقامة حدود الله تعالى وصلاة الجمعة وبعد ذلك طبت يا موت وإن شئت فزر" وقد حقق الله أمنيته.
كما أن للشيخ شيوخا أخذ منهم العلم وأنهل في الأخذ من كل فن ، كذلك له تلاميذ لا يبالغ إذا قال قائل بأن رجال العلم اليوم بعمان جلهم من تلاميذه وفي مقدمتهم الإمام محمد بن عبدالله بن سعيد الخليلي ومنهم الإمام السابق سالم بن راشد الخروصي والشيخ ناصر بن راشد والشيخ عامر بن خميس المالكي والشيخ عيسى بن صالح الحارثي وعبدالله بن محمد أبو زيد وغيرهم كثير. فالذين قامت عليهم والملك هم تلاميذه وهذه الروح التي نفخها فيهم حتى كانوا حمى للدين والأمة من أجَلِّ الشواهد على إخلاصه وعلو شأنه وكان محبوبا معظما عند الأمة كلها. فالشيخ نور الدين السالمي كان له آثار ملموسة كثيرة متمثلة في المؤلفات العظيمة القيمة التي بذل فيها جهده لكي يستفيد منها من بعده منها قد طبع ومنها لم يطبع حتى أن له أجوبة كثيرة نثرا ونظما لو دونت لكانت من أضخم المجلدات جزاه الله عن الدين والإسلام أفضل إجزاء المحسنين ومن مؤلفاته:


جوهر النظام في الأديان والأحكام: أرجوزة تربو عن أربعة عشر ألف بيت.
معارج الآمال شرح مدارج الكمال: ثمانية أجزاء.
تحفة الأعيان تاريخ عمان: جزآن.
شرح الجامع الصحيح للإمام الربيع بن حبيب في الحديث.
مشارق أنوار العقول في التوحيد.
بهجة الأنوار في التوحيد أيضا.
صواب العقيدة في التوحيد أيضا.
شمس الأنوار في أصول الفقه.
طلعة الشمس في أصول الفقه أيضا.
المنهل الصافي في العروض والقوافي وغيره في اللغة العربية.
العقد الثمين في الجوابات والردود.
تلقين الصبيان.
الحجج الواضحة في الرد على التلفيقات الفاضحة.
بذل المجهود في الرد على النصارى واليهود.

وغير ذلك من المؤلفات الضخمة التي تقارب الثلاثون مؤلفا قضى الشيخ فيها حياته لكي ينال الأجر من الله ويعتمدها تلاميذه من بعده حيث كان رضي الله عنه قطب دائرة العلوم بعمان لا نعرف أحدا من علماء المشرق يباريه في علم الحديث وأصول الفقه وسائر العلوم الأخرى.
وفي أواخر زمان شيخنا كان ينوي لزيارة شيخه ماجد بن خميس العبري وقدر الله أن سدعه غصن شجرة بقرية بني صبح بولاية الحمراء في طريقه إلى هناك لمناقشته ومشاورته في بعض القضايا الهامة فسقط عن راحلته فحمل إلى بلدة تنوف حيث وافته بها المنية ودفن في مقبرتها رحمه الله. كان ذلك ليلة الخامس من أنور الربيعين عام 1332 هجرية ورثاه جماعة من العلماء والشعراء. فمن ذلك ما قاله شاعر العرب أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديم الرواحي بقصيدتين طويلتين مطلع إحداهما:
نكسي الأعلام يا خير الملل ... رزيء الاسلام بالخطب الجلل
ومطلع الأخرى:
ريب المنون مقارض الأعمار ... وحياتنا تعدو الى المضمار
هذا ونسأل الله حسن الختام ورحمة هذا الإمام وأن يبرد الله ضريحه ويغفر ذنبه ويرحمه ويرضى عنه وعن جميع المسلمين من الأولين ولآخرين إلى يوم الدين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وجميع عباد الله الصالحين والحمد لله رب العالمين.

محرم 1411 هجرية.