تُطبِّقُ الإباضية هذه الفريضة ، ولا يوجد هذا مع غيرهم ، فهذا مثلاً صاحب البداية والنهاية ذكر في ترجمة قتيبة بن مسلم أنه زَلَّ زلة كان فيها حتفه ، وفعل فَعلةً رَغِمَ فيها أنفُه ، وخلغ الطاعة فبادرت المَنِيَّةُ إليه ، وفارق الجماعة فمات ميتةً جاهلية ، ثم قال:  "لكن سبق له من الأعمال الصالحة ما قد يُكَفِّرُ الله به سيئاته ويضاعف به حسناته ، والله يسامحه ويعفو عنه ويتقبل منه ما كان يكابده من مُناجَزَة الأعداء - رحمه الله".  فهذا التخبيط بعينه ، فلعمري ما يُرجَى لمن مات ميتة جاهلية؟ "أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" (سورة القلم 35-36).  فانظر وقارن بين هذا وبين ما فعله الإباضية عندما قُتِلَ بنو عم إمامهم الجلندى بن مسعود ، بكى الإمام ، فقال المسلمون:  أتبكي رأفة على هؤلاء البغاة إذ هم بنو عمك؟ إعتزل عن المسلمين ؛ فاعتزل ، كل هذا الذنب الذي فعله ، وقد فعل ذلك قبله أبو حُذيفة - رضي الله عنه - لما قُتِل أبوه في بدر ، لكنهم - جزاهم الله خيراً - لم تأخذهم في الله لومة لائم ، وما كانت أعمالهم وأقوالهم إلا ناصعة البياض في كل شيء ، بعيدين عن المُداهنة في الدين ، قوامين بالقسط ولو على أنفسهم والوالدين والأقربين ، مطبقين للكتاب والسنة تطبيقاً لا يمتري فيه اثنان ، يقول الله سبحانه:   "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ" (سورة محمد 19).  ويقول تعالى:   "مَا كَانَ لَلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى" (سورة التوبة 113) ، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود:  "أيُّ عُرَى الإسلام أوثق؟ قال:  الله ورسوله أعلم.  قال:  "الوَلاية في الله والبغض في الله"، وهذه حقيقة الإيمان عند الإباضية ، فمن لم يَدِن بها فلا دين له ولا وِلاية له ، هذه قضية انفرد به الإباضية دون غيرهم من الفرق الإسلامية فضلاً من الله عليهم ، لم يُساووا بين المؤمن التقي والعاصي الشقي في المعاملة:  "إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ" (سورة الإنفطار 13-16).  فهل المحارب لله تعالى من الأبرار حتى نتولاه أو على الأقل أن ننزله منزلة الطائع ، والله وَلِيُّ الخلق وربهم فرق بينهم ، إن هذا لهو المُصادمة للحق ، وكأن القوم شركاء الله في تصرفاته.

This page was last update on Wednesday, March 03, 1999