إن الإباضية
اتَّزَنُوا في عقائدهم ولم تستولِ عليهم الأهواء ،
ولا الأخبار المجتثة ، فلم يُعِدُّوا للعصاة الجنة
لأنها ليست مُلكاً لهم يدخلون فيها من شاؤوا
ويُبعِدون من شاؤوا ، بل يَعِدُون بها من وعدهم
الله ، ويُبعِدون عنها من أبعدهم الله ، فالله
سبحانه بَيَّنَ في وصف الجنة أنها: "أُعِدَّتْ
لِلْمُتَّقِينَ" ولم
يقل للمسلمين ، فهم متمسكون بهاتين الآيتين لا
يعرفون غير طريقها ؛ قوله تعالى: "بَلَى مَنْ كَسَبَ
سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ
فَأُلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارَ هُمْ فِيْهَا
خَالِدُونَ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجّنَّةِ
هُمْ فِيْهَا خَالِدُونَ" (سورة البقرة 81-82). لا يَعْدُل
الإباضية عن صريح هذه الآيات إلى نقلٍ آحادي ، الله
أعلم بصحته ، يقول: "أعددتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" فكأنهم يقولون: يا مسلم بعد
أن تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله لا تبالي
بما تفعله من المعاصي فإنك لا بد أن تدخل الجنة ،
إما بشفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ والله
تعالى يقول: "مَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيْعٍ
يُطَاعُ" (سورة غافر
18). وإما أن تدخل الجنة بعدما تُعذَّب قليلاً
بقدر عملك ، وقد قال اليهود قبلهم ذلك: "وَقَالُوا لَنْ
تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً
مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ
عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ
تَقُوْلُوْنَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" (سورة البقرة 80) ، وإما أن تدخل
تحت المشيئة ؛ فيشاء الله أن يرحمك وإن خالفته
وعصيته والله سبحانه شاء - كما أخبرنا - أن يخلده في
النار ، فلذلك انهمكت الأمة الإسلامية في المعاصي
ولم تبالِ بما يأتي منها ، لأنها لا تحاذِر شيئاً ،
فقد وعدهم علماؤُهم أنهم سيدخلون الجنة ، وهذه ثغرة
إستغلها أعداء الإسلام فدخلوا على المسلمين منها ،
ولو لم يكن علماء المسلمين فتحوا الباب على مصراعيه
، لما استطاع أعداؤُهم أن يلِجوا عليهم ؛ فإنا لله
وإنا إليه راجعون ، ويُروَى أن عمر بن الخطاب رضوان
الله عليه أرسل جيشاً إلى فارس ، فجاءه المبشر
بالفتح فسأل عن المقاومة كم كانت؟ قال: من غُدوةٍ إلى
الرَّواح ثم فتح للمسلمين ، فقال عمر: إنا
لله وإنا إليه راجعون ، بدلتم بعدي أو بدلتُ بعدكم؟
يقوم الشرك في وجه الإسلام من غُدوةٍ إلى
الرَّواح؟
والسيئة في الآية معناها الذنب
اليسير كما جاء في لغة العرب ، وأحاطت به كثرت حتى
لم يجد مَخْلَصاً منها ، لأنه يُذنِب فلم يتب حتى
استولت عليه الذنوب ، ولا دخل للشرك في هذه الآية
حتى يقال إنه يعني بالسيئة الشرك.
This page was last update on Wednesday, March 03, 1999