لم يتمسك أحد من القرق الإسلامية بسنة الخلافة ، كما تمسك بها الإباضية منذ صدور الإسلام ، حيث لم تولد أئمة المذاهب بعد ، وإنما تكونت هذه المذاهب بعدما صار للإباضية دول وسلطة في عمان والمغرب واليمن وحضرموت ، فقد قامت الإمامة في السنة الثامنة والعشرين بعد المائة واستمرت معهم - خصوصاً في عمان - إلى القرن الرابع عشر ، وإن صار أمرها إلى مَدٍّ وجَزْر في كل هذه القرون ، إلا أن علماءهم لم يقر لهم قرار حيث لا يقود الأمة قائد يثقون بعدله ويشترطون عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وينفذ أوامر الله سبحانه وتعالى ، لا استثناء لشيء منها ، فكان العالِم الإباضي لا يترك فرصة تمر يمكنه فيها أن يُقَدِّم إماماً يقوم بالعدل في الناس إلا انتهزها ؛ ولو باثنين أو ثلاثة من الرجال ، اللهم إلا أن يتوقع فتنة تضر بالمجتمع فإنه يسكت حتى تأتي فرصة أخرى ، لأن دفع المفسدة عندهم مقدم على جلب المصلحة ، بينما علماء المذاهب الأخرى يقولون:  أطع أميرك وإن ضربك وشتمك ونتف لحيتك ، فلا يجوز لك الخروج عليه ، ويتركون الحديث على ظاهره ركوناً إلى الراحة وحباًّ للخمول ، وقد اطلعتُ في التاريخ على أنه مات عالِمٌ من علمائهم الكبار فشيع جنازته من تلاميذه أربعون ألف ، هم كانوا تحت أمره لا يخالفونه في شيء ، وما حدثته نفسه في حياته يوماً أن يغير منكراً على الحاكم الطاغية في زمانه.
ولا ينكر تاريخ الإباضية إلا اثنان ؛ إما حاسدٌ وإما جاهل ، والنوع الأول أكثر ، وإن الإباضية متمسكون في أفعالهم هذه بأدلةٍ من الكتاب والسنة لا تخفى على أهل العلم إلا من كان في عينيه غشاء ، يقول الله سبحانه وتعالى:  "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِيْ الأَرْضِ أَقَامُوُا الصَّلاةِ وَآتَوا الزَّكَاةِ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" (سورة الحج 41).   ويقول تعالى:  "لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (سورة البقرة 124).   والآيات الدالة على ذلك كثيرةٌ.  فإن قال قائلٌ: لا تدل الآيات على نصب الإمام على الرعية ، بل تدل على الوجوب على الإمام إن انتصب أن يقوم بذلك ، قيل له: 
ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، قاعدة شرعية. فَمَن يُقَوِّمُ الإمام إن لم تُقَوِّمُهُ الرعية؟!  بيد أنه من تسلط على الناس بالغلبة لا يسمى إماماً عادلاً ، فهل كانت إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي إلا باجتماع واتفاق من الصحابة؟  ولما انتقلت الخلافة إلى مُلْكٍ حيث تولاها معاوية بالغلبة وإيثار أصحابه للدنيا ، وبالإجماع لا يعد معاوية من الخلفاء الراشدين لأي شيء إلا لهذا السبب.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:  "
من بات ليلةً وليس عليه إمامٌ إن مات فميتته جاهلية" وقال - صلى الله عليه وسلم -:   "إن الله لا يعاقب الرعية وإن كانت مسيئة إلا إذا كانت الأئمةُ هاديةٌ مهدية وتُعاقَب الرعية وإن كانت هادية مهدية إذا كانت الأئمة ظالمةٌ مسيئة ، وذلك أن حسنات الأئمة تعلوا سيئات الرعية وحسنات الرعية لا تعلوا سيئات الأئمة ، السلطان ظل الله في أرضه ، يأوي إليه كل مظلوم" (المصدر: قاموس الشريعة).  والأحاديث في ذلك كثيرة.
ولو لم يكن من الأدلة إلا إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام لكفى ، فكيف قاموا - قبل أن يدفن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمبايعة أبي بكر إلا لكون الأمر فريضة ، ولِمَ استخلف أبو بكر عمر - رضي الله عنهما - عند موته؟ ولم يترك الأمر للناس؟   ولِمَ جعل عمر الأمر شورى بين ستة من خيار الصحابة ، وأوصى أن تقطع رقابهم إن تجاوزا ثلاثة أيام - بعد موته -؟  إلا لكون الأمر لا يجوز التهاون فيه أو التفريط؟  فمبدأ الإباضية مبدأٌ شرعي فَحْلٌ لا يُخَطُّ لهم غبار في ذلك.  ولذلك ترى الكُتَّابَ وأهل السير لا يذكرون عنهم إلا الشيء اليسير ، ويتعقبونه بطعنة من الخلف لأنهم إن ذكروا هذا التاريخ الناصع سيفضحون أنفسهم وسيعترفون بفضل الإباضية وهو في غير صالحهم ؛ فالله حسبهم. 

This page was last update on Wednesday, March 03, 1999