الحمدُ لله مُنْشِى الكائنات على ما شاءها وبلا مِثْلٍ هناك خـلا

الحمد هو معروف وفي الأصل هو الثناء باللسان على الجميل الإختياري سواء كان هذا الجميل الإختياري شيئا طبعيا في نفس الإنسان أو كان شيئا فعليا أي سواء كان صفة أو غير صفة فغير الصفة الفعل فالإنسان مثلا يُحْمَد على الكرم لأن طبيعة الكرم أو صفة الكرم هي منشأ الإحسان إلى الغير وكذلك يُحْمَد على الشجاعة لأن طبيعة الشجاعة أو صفة الشجاعة هي منشأ مقاومة عدو الحق ونصرة الحق والله سبحانه وتعالى يُحْمَد على صفاته كما يُحْمَد على أفعاله ولو كنا لا نَتَجاسَر أن نقول بأن صفات الله سبحانه وتعالى إختيارية وإنما يُحْمَد عليها نظراً إلى كونها منشأً للإختياريات فالله سبحانه وتعالى موصوف بالعلم والقدرة والمشيئة والحياة والسمع والبصر ... إلى ماوراء ذلك من الصفات العظيمة وهو محمودٌ على هذه الصفات لأنه سبحانه وتعالى لو لم يكن متصفاً بها لما كانت هنالك أفعال منه تعالى كالتي نشاهُد آثارها من خلق هذه الخلوقات والإحسان إليها فلذلك نَحْمُد الله تعالى على صفاتة ونَحْمُده على أفعاله. ومن المعلوم أنَّ عادة الناس جرت إذا تحدثوا عن شىء يستَهِلُّون الإخبار عن ذلك الشىء بذكر بعض ما يتعلق به وهذه هي التي تسمى "براعة الإستهلال" فالمصنف رحمه الله تعالى ذكر إنشاء الكائنات لأن القصـد الإخبار عن وجود الله تبارك وتعالى وعن توحيده وعن صفاته فلذلك أتى بإنشائه الكائنات لأن إنشاء الكائنات هو دليل على وجوده سبحانه وهو دليل على اتصافه بجميع تلك الصفات العظيمة. فيقول: مُنْشِي الكائنات - في وصف الله سبحانه وتعالى على ماشاءها وبلا مِثْلٍ هناك خلا يعني أن الله سبحانه وتعالى المحمود هو أنشأ هذه الكائنات الموجودة على اختلافها من غير أن يكون هنالك مَثَلٌ سابق فالله تعالى في خلقه لم يحتَذِ مثلا سبق اليها أحدٌ غيره إذ لم يكن أحدٌ موجودا ولم يكن مَثَلٌ لهذه الكائنات التي أنشأها موجودا وإنما أنشأها على حسب ما اختار فلذلك قال المصنف رحمه الله الحمد لله منشِي الكائنات على ما شاءها فقد كان إنشاء هذه الكائنات وِفْقَ مشيئة الله سبحانه وتعالى من غير أن يكون محتذيا حَذْوَ غيره تعالى الله عن ذلك إذ لا يوجد خالق سواه .

 

This page was last update on Wednesday, March 03, 1999