ذكـر الكـفـر ومـا يشـتمل عليـه

إنتقل إلى

 

الكفر لغة :بمعنى التغطية ومن ذلك قول الله تعالى أعجب الكفار نباته وقول الشاعر
يعلو طريقة متنها متوترا        في ليلة كفر النجوم غمامها

فالمراد بقول الله سبحانه وتعالى أعجب الكفار نباته أعجب الزراع لأنهم يكفرون البذر أي يغطونه والمراد بقول الشاعر في ليلة كفر النجوم غمامها أي في ليلة غطى النجوم غمامها في ليلة غائمة وهذا موجود في كلام العرب نثره وشعره .
والكفر اصطلاحا :هو ارتكاب ما نهى الله تعالى عنه مع الاصرار على ذلك هذا هو الكفر وهو ينقسم الى قسين : كفر شرك وكفر نعمةفكفر الشرك هو الذي سيشرحه المصنف - رحمه الله تعالى - في هذه الأبيات التالية .
وكفر النعمة :هو كفر لا يخرج من الملة أي لايخرج صاحبه من الملة وذلك كالزنى والسرقة وشرب الخمر الى ما وراء ذلك من المعاصي هذه المعاصي كلها تعد كفر نعمة اذا أصر عليها العبد لأن نعمة الله تعالى التي سخرها للعبد يواجهها العبد بهذا العمل فيكون كأنه مغط لها وكفر النعمة دلت عليها النصوص من القرآن والسنة فالله سبحانه وتعالى يقول حكاية عن عبده سليمان {ليبلوني ءأشكر أم أكفر} فالشكر هو الوفاء بحق النعمة والكفر اذا هو التقصير في حق النعمة ويقول الله     سبحانه انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا فالعبد اما أن يكون شاكرا والشكر هو الوفاء بحق الله تعالى كما هو معلوم بأن الشكر الشرعي هو القيام بواجب النعمة وذلك باستخدامها فيما خلقت لأجله واذا يقابله الكفر والكفر هو التقصير في ذلك ويقول الله سبحانه { ولله على الناس حج البت من أستطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين } أي ومن كفر بترك الحج رفض أمر الله سبحانه وتعالى فالله غني عنه مع أن ترك الحج لا يخرجه عن الملة ولكنه يخرجه عن الاستقامة والطاعة وله شواهد كثيرة من السنة منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسوق وقتاله كفر والحديث أخرجه البخاري ومسلم ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض والحديث أخرجه مسلم ومنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء يكفرن قيل أيكفرن بالله يارسول الله ؟ قال : لا ولكنهن يكفرن العشير أي نعمة الزوج وهذا الحديث أخرجه البخاري ومن ذلك أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الامام الربيع عن أبي عبيدة عن الامام جابر عن ابن عباس - رضي الله عنهم - عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال من أتى الرجال شهوة دون النساء أو أتى النساء في أعجازهن فقد كفر والمراد بالكفر هنا هو كفر النعمة وليس كفر الشرك .
وبما أن غير أصحابنا يتجاهلون كفر النعمة أشكلت عليهم هذه الأحاديث اشكالا بالغا وقد حاولوا تأويلها بمختلف التأويلات منهم من قال بأن لمراد بهذه الأحاديث من أتى ذلك وهو مستحل لفعل ذلك كأن يزني الزاني وهو مستحل للزنى أو يسرق السارق وهو مستحل لسرقته الى غير ذلك ومنهم من قال بأن هذا للتغليظ لأن هذا معدود كأنه من أفعال الكفرة أي من أفعال المشركين واضطر جماعة منهم الى أن يقولوا بأن تارك الصلاة هو كافر كفر ملة أي خارج عن ملة الاسلام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس بين العبد والكفر الا تركه الصلاة هكذا في رواية الربيع وفي رواية غيره بين العبد والكفر تركه الصلاة وحديث بريدة عند الجماعة الا البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر واضطر جماعة منهم الحنابة الى القول بأنه كافر كفر ملة وأنه يخرج من الاسلام بسبب تركه الصلاة ولو لم يكن مستحلا لتركها .
على أي حال هذه الأحاديث صريحة في أن مرتكب الكبيرة يعد كافرا ولكن هذا الكفر ليس هو كفر شرك وانما هو كفر نعمة فهو لا يخرج عن الملة يدفن في مقابر المسلمين ويزاوج ويوارث يرث ويورث ويزوج ويتزوج ولكن بجانب ذلك يحرم الولاية ويكون خارجا عن اطار عباد الله المتقين وواقعا في أهل البراءة الذين يعدون أعداء للمؤمنين هذا بالنسبة الى حكمه في الدنيا وحكمه في الآخرة كما هو ظاهر الخلود في النار - والعياذ بالله- مع ساير الكفار نسأل الله تعالى العافية .