الفصل السادس:   في الحث على التناصر والتوازر والإستعداد للعدو بما يستطاع من القوة والتنبيه على غوائله

إنتقل إلى

 

وقد أحسن ذلك المعترض في بعض ما أورده في هذا الموضع وأساء في بعض وجملة قوله بنص حروفه: "فيا سيدي كان الله في عونكم أصلحوا ذات بينكم وكونوا على رأي واحد واستعدوا للعدو وما أستطعتم من المقذوفات الجهنمية كهذه المدافع السريعة الطلقات والدناميت والبرانيق وغيرها فالعدو إليكم مقبل أو ليس إحتل البادري أي القسيس ببلد نخل يبنى ويشيد وعن قريب سيرفع الصليب على رؤوسهم ولا يقدرون على مدافعته وأهل نخل كأنهم لا علم لهم بشيء فهم رجال يقتلون وينهبون جيرانهم وإخوانهم في الدين والمذهب والوطن والجنس وأيديهم على هذا القسيس قاصرة وقد علموا أنه إذا دخل بمكان ينتج منه الضرر ولكن رأوا خلفه دولة لها صولة وبطش شديد فلهذا تقهقروا أو ليس الإنجليز الطالب أن يبني في الجبل على كسفة عين من الرستاق أوليس هو المتكشف على عمان قرية بعد قرية وبأيديه قراطيس يسب فيها محمدا صلى الله عليه وسلم ودينه، وحتى عمل جغرافيا لطرق قرى عمان كيلا يحتاج أحد إلى دليل، اوليس بولجات مسقط مسجد منع مؤذنه عن الآذان فيه وآخر هناك أيضا هدت أركانه أوليس فكم أعد يا سيدي عمان بل ديار العرب قسمها بيرق الشرك ولابد من كل أحد أن يأخذ نصيبه إذ لو منعتم من الرصاص أو القمع والإبر لتعطلتم. ما هذا التواني والحال على التعليم مساعف؟ ما الخمول وأخبار التواتر عن هذه الأمم البارزة بالقهر والعدوان ظلما وجورا قاضية؟ أما تكفي الوقائع في غيركم تنبهوا يا مسلمون من هذه الغفلة وكونوا على حذر وشدوا أيدكم بهذه الصنائع الجديدة والعلوم العصرية فإذا دعى الداعي فأنتم على أمن أما عمان فحياة فيصل وبعده سترون ما يكون إنا لله وإنا إليه راجعون".
هذا كلامه وقد أحسن في التحذير لكنه أساء في التعبير وذلك قوله: "ولا بد من كل أحد أن يأخذ نصيبه"، وفيصل وإن أحسن المدافعة الخطابية فقد أهمل أسباب الحزم باطراحه عوامل العدل وإلقائه العداوة والبغضاء بينه وبين رعيته وإغفاله عن إستعمال الصنائع المذكورة والآلات المعدة وليته جمع الشمل وألف بين الرعية واستعمل التقوى في جميع تفرقاته فهي الحصن الذي لا يرام والسيف الذي لا يغلب وما قهر أسلافكم ملوك الأكاسرة والقياصرة بكثرة عدد ولا قوة عدد وإنما قهروهم باستعمال التقوى وحسن الصبر وقوة اليقين فلو تمسكتم بسيرتهم ظفرتم بما ظفروا وأذكر لك قطعة من كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله على حروب الفرس سعد بن أبي وقاص ومن معه من الأجناد قال رضي الله عنه :
"أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفعل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم وإنما ينتصر المسلمون بمعصية عدوهم بالله ولولا ذلك لم تكن لنا معهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بالمعاصي، الله وأنتم في سبيل الله ولا تقولوا أن عدونا شر منا فلن يسلط علينا فرب قوم سلط الله عليهم شر منهم كما سلط على بنى اسرائيل لما عملوا بما يسخط الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا واسالوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم أسأل الله ذلك لنا ولكم" . إلى آخر ما أودعه النصيحة البليغة والسياسة العميقة.
ومصداق ذلك في قوله عز من قائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِنْ تَنْصُرُوْا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فهذه عدة من كان قبلكم مقدمة عندهم على كل عدة. ثم بعد ذلك يعدون لعدوهم ما استطاعوا من قوة، وهذه صفتهم في كتاب كتبه خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس مع إبن نفيلة الغساني قال رضي الله عنه: "الحمد لله الذي فض حرمتكم وفض جمعكم وأوهى بأسكم وسلب ملككم وأذل عذلكم فإذا أتاكم كتابي هذا فأبعثوا إلي بالرهن واعتقدوا منا الذمة وأجيبوا إلى الجزية وإلا والله لا إله إلا هو لأسيرن إليكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة ويرغبون في الآخرة كما ترغبون في الدنيا" وكان خالد يومئذ أميرا لأبي بكر رضي الله عنه على حرب العراق وهو الذي أوقع بالفرس الوقعة العظيمة في الأنبار قيل قتل فيها من الفرس مائة ألف وكان ذلك قبل أن يتولى حروب الشام.
فبهذه الصفات اتصفوا وبهذه الأحوال تواصوا ومن يتق الله يجعل له مخرجا {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلَىْ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىْ يَمِيْزَ الخَبِيْثَ مِنَ الطَيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَىْ الغَيْبِ} وما ذكرتَ من أمر النصارى في عمان وتكشفهم على القرى والبلدان وما حاولوا في ذلك من البنيان ومن هدم المسجد وتعطيل الأذان ومن سب خير البشر عليه أفضل الصلاة والسلام فذلك أمر فضيع وحال شنيع لو وقع نسأل الله العافية ما سمعنا به قبل كتابكم فإن صح ذلك فلعله وقع في الأطراف الغربية أما السبب فما أظن وقوعه، لأن الأجانب لا يدخلون عمان إلا بخبر من المسلمين ولحاجتهم إلى ذلك يحترمون صاحبهم فلا يذكرون عنده ما يكره، وللقوم دهاء هائل.
والعجب منك كيف تذكر ذلك لنا وتدع الملك فهو أولى بالتنبيه في ذلك وبيده أزمة الأمور فلو إستقام استقمنا ولو طلب المناصرة ناصرنا فالله المستعان وكأنك قد خشيت على عمان من العدو المقبل وحق على كل مؤمن أن يخشى ذلك غير أن قلوبنا وإن خافت من شؤم ذنوبنا ساكنة مطمئنة إلى إجابة ربنا لدعوة نبيه لنا أن لا يسلط علينا عدوا من غيرنا فإنا نجد في التواريخ المكنونة والأخبار المصونة أن مازن بن غضوبة الطائي السمائلي وكان أول من أسلم من أهل عمان فيما يظهر من أسياق التاريخ وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره بالمدينة فأسلم على يديه وقال: "يا رسول الله أدع الله تعالى لأهل عمان" فقال: "اللهم إهدهم وأثبهم" فقلت: "زدني يا رسول الله" فقال: "اللهم ارزقهم الكفاف والعفاف والرضا بما قدرت لهم" قلت: "يارسول الله البحر ينضح بجانبنا أدع الله في ميرتنا وخفنا وظلفنا" قال: "اللهم وسع عليهم في ميرتهم وأكثر خيرهم من بحرهم" قلت: "زدني" قال: "اللهم لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم قل يا مازن آمين فإن آمين يستجاب عنده الدعاء" قال: "قلت آمين" قال: "قلت يارسول الله إني مولع بالطرب وبشرب الخمر ولجوج بالنساء وقد ذهب أكثر مالي في هذا وليس لي ولد فادع الله أن يذهب عني ما أجد ويهب لي ولدا تقر به عيني ويأتينا بالحياة" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن وبالحرام الحلال وبالعهر عفت الفرج وبالخمر ريا لا إثم فيه وآتهم بالحيا وهب له ولدا" قال مازن: "فأذهب الله عني ما كنت أجد من الطرب والنشاط لتلك الأسباب وحججت حججا وحفظت شطر القرآن وتزوجت أربع عقائل من العرب وأخصبت عمان في تلك السنة وما بعدها وأقبل عليهم الخف والظلف وكثر صيد البحر وظهرت الأرباح في البحارات وآمن عدد من أهل عمان" ولمازن في ذلك شعر حيث يقول :

تجــوب الفيافي من عمان إلى العرج

إليك رســول الله خبــــت مطيتي  

فيغفــر لى ربي وأرجـــع بالفلـــــج

لتشفع لي ياخير من وطيء الحصى  

فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي

إلى معشــر خـالفت في الله دينهـم  

شبابي حتى آذن الجســـم بالنـــــج

وكنت امرؤا باللهو والخمــر مولعا  

وبالعهر إحصانا فحصـن لي فرجــي

فبدلني بالخمـــر خوفــا وخشيـــــة  

فلله مـا صومــي ولله مــا حجــــي

فأصبح همي في الجهـــاد ونيتــــي  


قال مازن ولما كان في العام القادم وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: "يا المبارك إبن المباركين الطيب إبن الطيبين قد هدى الله قوما من أهل عمان ومن عليهم بدينك وقد أخصبت عمان خصبا وصيدا بها"، فقال عليه السلام: "ديني دين الإسلام سيزيد الله أهل عمان خصبا وصيدا فطوبى لمن آمن بي ورآني وطوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ولم ير من رآني وإن الله سيزيد أهل عمان إسلاما" .
هذاحديث مازن المكنون المصون وما زال أثر الإجابة ظاهر على عمان وأهلها فلم ينزع الله أمرهم من أيديهم على اختلاف الدول وتعدد القرون فظهرت فيها قوة الإسلام ونصبت الأئمة العادلون الذين هم من أمثال أبي بكر وعمر فضلا وسياسة لولا ما فضل الله به العمرين من صحبة نبيه عليه الصلاة والسلام وقد تدخلت النصارى أكثر من هذا التدخل قبل ظهور الإمام المؤيد ناصر بن مرشد رضي الله عنه فملكوا من سواحل البحر مسكدا وقريات وصورا وجانبا من صحار وجلفار وهي الصير وهي بلد كانت حجة في عمان وخربت الآن وهي أقصى عمان من الجانب الغربي الشمالي ومن هنا كانوا يقولون لمن ملك عمان بأسرها ملكها من صور الي الصير فأزال الله أمر أولئك النصارى قبل أن يتسلطوا على أهل عمان بظهور ذلك الإمام العدل ثم تتابعت خلفاؤه الراشدون فبذلوا المجهود في مطاردة النصارى فأزاحوهم من الأماكن القريبة وطلبوهم من النواحي البعيدة ورصدوا لهم كل مرصد وضيقوا عليهم المسالك فانطمس ذكرهم وانقشع أمرهم وبلغت قوة الإسلام في تلك الأيام أن أجتمعت في الجيش الذي دخل به الإمام سيف بن سلطان أرض الهند ستة وتسعون ألف عنان فهذا ونحوه من بركة دعوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو يطمعنا في القوة بعد الضعف وفي الإجتماع بعد الفرقة وفي الظهور بعد الكتمان يا من يحي العظام وهي رميم أحي القلوب بعد موتها وافتح البصائر وأيقض الهمم وقوي العزائم واجمع الشمل ووحد الكلمة وأظهر الأمر وانصر المسلمين آمين رب العالمين.