الفصل الرابع:  حلق اللحى

إنتقل إلى

 

وقد وافقنا المعترض على منعه أن الحالق للحية قد نشر بيرق النفاق على رؤوس الأشهاد فلا كلام فيه لأنه فرغ من الحكم فيه صريح الأثر بقاص اللحية أنه فاعل كبيرة فالحالق أولى منه لكن غيره ممن كان على شاكلته من أهل ناحيته قد جادل في ذلك فأرسل سؤالا نصه: "هل حلق اللحى وغلفها من كبير الذنوب أم من صغيرها؟ فإن كان منهما أو من أحدهما فهل من دليل من الكتاب والسنة أو من السنة وحدها أتونا به ـ وإلا فلماذا تحرمونا المباح لنا من غير إيضاح؟ أليس لنا أن نتزين لنساءنا ونتصنع؟ ألسنا مأمورين بالنظافة والطهارة كتقليم الأظافر وحلق الشعور التي في الصدور" فأجبته بما نصه:

حتى أرى دولة الأوغاد والسفل

ما كنت أحسب أن يمتد بي زمني  


ما رأيت عجبا كاليوم سبحانك هذا بهتان عظيم كيف يطلب الدليل على شيء علم من الدين بالضرورة :-


إذا احتاج النهار إلى دليل

وليس يصح في الأذهان شيء  


ما مثلك في قولك هذا إلا مثل من ينكر الشمس رابعة النهار ويقول آتني بدليل على طلوعها . فهذه الأمة المحمدية إجتمعت على توفير اللحى إجماعا كاد أن لا يشابهه غيره لما عرفوا من ثبوت ذلك عن نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام ، وكانت العرب في جاهليتها تحترم اللحى إحتراما وأنتم في أسلافكم قد أهنتموها كل الإهانة إلا أن جزها من الكبائر لأنه خصال المشركين من الأعاجم وفي الصحيحين من حديث إبن عمر يرفعه: "خالفوا المشركين جزوا الشوارب ووفروا اللحى" من حديث أبي سعيد الخدري: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى" ومعنى إعفائها توفيرها أي تجعل وافرة لا يقطع منها شيء فقطعها منهي عنه، وجز الشوارب وحلق العانة وتقليم الأظافر مأمور به ولا يصح أن يقاس ما كان منهيا عنه على ما كان مأمورا به فمن قاس ذلك فقد خالف محمدا صلى الله عليه وسلم جهارا واتبع إبليس في قياسه الفاسد في تفضيل نفسه على آدم ، ولا ينفعكم التعلل بأن في قطعها زينة النساء ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لعن الله النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والمتفلجات للحسن" رواه الربيع رحمة الله عليه من طريق إبن عباس. قال الربيع: النامصة التي تأخذ من شعرها ليكون رقيقا معتدلا والمتنمصة التي يفعل بها ذلك والواصلة التي توصل شعر رأسها ليقال طويل والمستوصلة التي يفعل بها ذلك والواشمة التي تجعل الوشم في وجهها أوفي ذراعها والمستوشمة التي يفعل بها ذلك والمتفلجات اللاتي يفلجن ما بين أسنانهن للجمال والحسن ومن المعلوم أن كل واحد من هذه الأفعال دون جز اللحى على أن في جزها تشبها بالمشركين الأعاجم أشباه البانيان وبعض الأعاجم لا يرضى بذلك كالفرنسين وفيه أيضا تشبها بالنساء وقد جاء اللعن للمتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال والعلم عند الله .